السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وعلى المرشد الدينيِّ أن يأخذ نفسه بمراقبة الله تعالى في أعماله وتصرُّفاته، فينبغي أن يكون أمينًا في تعامُله مع الحاجِّ فلا يخونه في قليلٍ ولا كثيرٍ، ولا يسيء إليه أو يناله بمكروهٍ، ولا يضيِّعه إذا احتاج إليه، ولا يخذله ولا يمنعه بتوجيهٍ أو تعليمِ حكمٍ أو بيانِ مسألةٍ، بل يخدم الحاجَّ ويتواضع له ولا يتكبَّر عليه ويستصغره أو يحقره أو يبتعد عنه ابتغاءَ جلب محبَّة أهل المناصب ومؤالفتهم أو التزلُّف لأهل الأموال والغنى، ولا يتسمَّع إلى حديثٍ يخفيه عنه الحاجُّ، ولا يكون فضوليا معه، كأن يطلب منه نوعَ عمله ورتبتَه ووظيفته تحسُّبًا للظفر بمعارفَ يقضي بها حاجياته عند عودته إلى بلده.
وعلى المرشد الدينيِّ الرفقُ في المعاملة، فيوقِّر الحاجَّ إن كان كبيرًا، ويرحمه إن كان صغيرًا، ويسعفه ويعوده إن كان مريضًا، ويدعو له بالشفاء والعافية، ويعينه بما أوتي من قدرةٍ إن كان منقطعًا أو عاجزًا، ويهديه إن كان ضالاًّ تائهًا، ويتفقَّده إن كان ضائعًا، ويرشده إن استرشد، ويرعى حالَه ويصون كرامته وينصفه من نفسه، ويعامله بما يحبُّ أن يعامَل به، فيحبُّ له ما يحبُّ لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»، ولحديث عمَّار بن ياسرٍ رضي الله عنهما -موقوفًا-: «لاَ يَسْتَكْمِلُ الْعَبْدُ الإِيمَانَ حَتَّى تَكُونَ فِيهِ ثَلاَثُ خِصَالٍ: الإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ، وَالإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِهِ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ»
وإذا ابتلي المرشد بقلَّة أدب بعض الحجَّاج وسوء معاملته وتصرُّفاته فليصبر عليه ويرفقْ به ويخالقْه بخلقٍ حسنٍ، ويحتسبْ ذلك عند الله، فيبذلُ له المعروف، ويعفو عن إساءته له، ويكفُّ عنه الأذى ويستر زلَّته، فإنَّ هذا الأدب الرفيع لا يأتي إلاَّ بخير، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ. وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فُصِّلت]، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ»
هذا، وعلى المرشد الدينيِّ أن يحاسب نفسه على أيِّ تفريطٍ أخلَّ به، ويلومَها على أيِّ تقصيرٍ لم يؤدِّ حقَّه فيه، وعليه أن يحمل نفسه على الخوف من مقام الله وينهى نفسه عن الهوى لقوله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات]، فيجتهد في تأديب نفسه حتى تطمئنَّ، ويجاهدُها حتى تطهر وتطيب، خاصَّةً في رحاب الحجِّ الكبير وميدان الحجَّاج الفسيح على مختلف أحوالهم وأجناسهم وألوانهم وأمزجتهم، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت ].
تلك هي رسالة المرشد الدينيِّ ومَهَمَّته التعليمية والتوجيهية الخاضعة للمسلك الأخلاقي والتابعة للمنهج التربوي، ودوران مسؤوليته بين المراقبة والمحاسبة والمجاهدة.
نسأل الله تعالى أن يوفِّق الجميع للتمسُّك بكتاب ربِّنا وسنَّة نبيِّنا، فإنَّ خيرَ الحديث كتابُ الله وخيرَ الهدي هديُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، كما يوفِّق الجميع لمعرفة الحقِّ والعمل به ومعرفة الباطل واجتنابه، قال تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [المائدة]
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
جزء من نصيحةٌ إلى المرشد الديني للحاجِّ